كيف يفسر سبعة فنانين معاصري أعمالهم مع النسيج؟

"إلى جانب رسومات الكهوف، كان النسيج من بين الأشياء الأولى الناقلة للمعنى" ، آني ألبرز

يُنسب إلى آني ألبرز فنانة النسيج الأمريكية أنها تخلصت من الحد الفاصل بين الحرف التقليدية والفن، واعتبرها كثيرون عرّابة فنون النسيج، والتي تعلمتها من معلميها النساجين في بيرو القديمة، كان لألبرز دور بارز في رفع مكانة النسيج إلى مصاف الفنون الراقية، وتعزيز قيمة التقاليد العريقة التي تنتشر في أنحاء العالم.

تم إستخدام النسيج في ثقافات كثيرة لأغراض وظيفية وزخرفية وروحية وتعبيرية، وظهرت ثقافة النسيج المتطورة للغاية في بيرو القديمة لعدة أسباب منها غياب اللغة المكتوبة، أما في الشرق الأوسط، فقد كان يُعتقد في كثير من الأحيان أن المنسوجات تمتلك خصائص سحرية (حكايات السجادة الطائرة).

في هذه الأيام، تقبّلت الجماهير فناني النسيج وتزايدت المؤسسات التي ترغب في عرض أعمالهم التي تعمل في عدة اتجاهات منها الإشارة للظروف السياسية والتعبير عن الظروف القاسية التي تنتجها الصراعات، أو لإثارة مسائل تخص الهوية! ومع ذلك يبقى هناك شعور بالاستياء من قبل النساجون بسبب الوتيرة البطيئة لعملهم التي تؤثر على غزارة الإنتاج لديهم، مما أدى لقلة أن تمتلك الرغبة لوحدها فقط في المتاجرة بهذا النهج الفريد من الفن المنسوج يدوياً، نشارككم هنا سبعة أفكار لفنانين ذهبوا بنا الى أبعد الحدود في هذه الفنون التقليدية.

1. ديدريك براكنز

عند الاطلاع على منسوجات ديدريك براكنز والذي كثيراً ما تدور أعماله الفنية حول هويته كرجل أمريكي من أصول أفريقيه فإنه مكننا أن نلمس بوضوح المزيج بين التقاليد المتنوعة للنسيج في غرب إفريقيا، والمنسوجات الفلمنكية، وألحفة القماش الأمريكية في منسوجاته.

يستلهم الفنان المقيم في لوس آنجلوس أعماله من قدرة النسيج على رواية حكايات رمزية ومادية، حيث تُستمد خيوط نسيجه من الفولكلور والدين والمخلوقات الأسطورية وعلم الكونيات والتجارب التي يعيشها الفنان شخصياً، ويضيف اختياره للمواد مزيدًا من الجاذبية إلى أعماله، إلى جانب الأصباغ والملونات التي يستخدمها، مثل الشاي لتلوين المنسوجات القطنية والتي تشير في رمزيتها إلى تجارة الرقيق.

يمتلك ديدريك براكنز طريقة دقيقة لوصف التشابك بين القضايا الاجتماعية والسياسية والشخصية من خلال وسيط (المنسوجات) والذي يعتبر وسيطاً معاصرًا وتقليديًا في الوقت نفسه، وتحظى منسوجات الفنان بالاهتمام حيث فاز براكنز بجائزة Joyce Alexander Wein لعام 2018 والتي قدمها متحف ستوديو في هارلم.

2. إيرين إم رايلي

تُجسّد المفروشات التي صممتها إيرين إم رايلي التي تعيش في بروكلين سرعة الحياة الأنثوية المعاصرة، ونشاطها وسكونها، حيث تظهر التصورات المميزة للفنانة في صور منسوجة لتصورها الشخصي عن المرأة.

نشأت رايلي في عالم الإنترنت، وتعكس المفروشات تجربتها الشخصية "كإنسان غريب الأطوار نشأ في غرف الدردشة والمحادثات"كوسيلة لاستكشاف الحياة وكذلك الصدمات التي يتعرض لها الإنسان"، وتقول رايلي: "الصور التي أُحيكها تُستهلك بسرعة تبعث على الجنون، ومع هذا فإن صناعة النسيج تظل بطيئة، وأن عملية الجلوس للنسج تسمح بانقطاعٍ تامّ عن الإنترنت مع اتصال بسيط بالتقنية"

تسمح طبيعة عملية النسج على النول لرايلي بالتركيز على تكبير تفاصيل محددة في قطعة النسيج، كما أنها تقوم بصباغة بعض الخيوط يدوياً لنسج كل قطعة بشكل منفصل كمحاولةٍ لإبطاء حركة نظر الرائي للقطعة الفنية والمكوث عند التفاصيل أكثر في محاولة منها لتوجيه الرائي لفهم المضمون المراد ايصاله.

3. تيري فريدمان

تقيم تيري فريدمان في منطقة الخليج في سان فرانسيسكو، وقد استلهمت فنها من الرسام الإسباني جوان ميرو، تقول فريدمان:  "أنا محظوظة لأنني أعيش في زمن لا يُصنّف فيه الناس ضمن حرفة واحدة فقط".

كان أول لقاء بين فريدمان والنسيج في رحلة إلى برشلونة، ولأن اهتماماتها بالنسيج بدأت في وقت متأخر، فإن فريدمان لا تُعرف فقط على أنها نسّاجة، بل وتفضل أن يُنظر إليها على أنها فنانة متعددة المواهب والتخصصات.

وتوضّح قائلة: "أستخدم النساج أو النول لأصنع لوحاتي الملونة و الجذابة باستخدام النسيج"، مضيفة أنها أيضاً تستخدم لوحة الرسم، فبدلًا من إيجاد الإلهام في أعمال فناني النسيج الآخرين فإن فريدمان تتطلع وتستلهم من الرسامين من أمثال جوان جرينباوم، كيلتي فيريس، نيكول إيزنمان، وسارة قابيل، خاصة لوحاتهم غير التقليدية.

الأنماط المتموجة وغير المتساوية للأعمال التي ابتكرتها فريدمان في السنوات الخمس الماضية تشبه إلى حد ما الأناقة المتشابكة لسترات كوجي المشرقة والمزدحمة المشهورة في التسعينيات، وأوضحت أنها أنماطٌ "غير مستقرة وغير مألوفة"، وهي صفات تُلهم فريدمان التي تقول: "لا تسعى أعمالي إلى الكمال بالمعنى الحرفي التقليدي، بل تسعى أكثر إلى الشغف ورواية الحكايات بطريقة تجريدية".

4. برنت وادن

تتكون معظم الأعمال الهندسية لبرنت وادن - على الرغم من تشابهها مع رسم "حقل الألوان" وهو من انماط الرسم التجريدي - من ألواحٍ منسوجة مخاطة معًا وممتدة على أُطرٍ خشبية، وقد درس وادن فنّ الرسم عندما كان طالبًا جامعيًا قبل أن يُعلّم نفسه كيفية النسج، لكنه ظل وفيّا لفن الرسم والإيماءات التجريدية التي هيمنت على لوحات الرسامين العظماء في منتصف القرن.

تأثر برنت بالفن الشعبي التقليدي في مقاطعة نوفا سكوتشا الكندية حيث نشأ وترعرع و يتميز هذا الفنان بـ "الأمانة" التي يحاول أن يظهرها في ممارسته، لذلك ركز وادن اهتمامه بشكل أساسي على عدم التكلف في معالجة الأخطاء التي تحدث بشكل مستمر في لوحاته كونه حائكاً علّم نفسه بنفسه، فمثلاً إذا نفذت منه خيوط معينه يستخدم غيرها مما يؤدي إلى اختلاف في درجات اللون!.

5. آيكو تيزوكا

تُفضّل الفنانة آيكو تيزوكا أن تجعل هيكل المواد المستخدمة في أعمال النسيج التي تُنتجها شفافة، حيث تنسجها وكأن الأقمشة الشعبية المزخرفة تذوب في مزيج من الخيوط الملونة المفككة التي تمتد بطول الحائط أو بطول الأرضية.

اهتمت تيزوكا أكاديميًا بهذه الفكرة، فقد استكشفتها في أطروحة رسالتها للدكتوراه، والتي نالتها من جامعة مدينة كيوتو للفنون في عام 2005، و على الرغم من أن تيزوكا تعيش في برلين، إلا أن خلفيتها اليابانية ساعدتها في هذه الأطروحة، وأوضحت تيزوكا أيضاً أنه تم إنشاء حدود بين الرسم والنسيج والتطريز في أواخر القرن التاسع عشر في اليابان، عندما أُتيحت موانئ الدولة المعزولة لبقية العالم، ولتسريع عملية الإنفتاح، بدأ الفنانون اليابانيون في استنساخ الثقافة الأوروبية، بما في ذلك منح الأولوية للرسم على الحِرف، وتعمل تيزوكا على تجاوز هذه الحدود في أحدث أعمالها.

6. جوش فاوت

يسعد جوش فاوت المقيم في سان فرانسيسكو بإمكانيات النسيج الفوضوية المعقدة، فهو يوظف مجموعة من المواد في منسوجاته، لتتحول تلك المنسوجات إلى مواد تجميعية متنوعة من القطن إلى الألعاب القديمة إلى المخلفات الثقافية مثل أشرطة VHS وطلاء الأظافر؛ والمواد الأرشيفية.

جوش فاوت وهو الأستاذ المشارك ورئيس قسم المنسوجات في كلية كاليفورنيا للفنون، من المتحمسين للتوسع الذي يشهده التعريف التقليدي للنسيج، إذا يقول  "لطالما كانت المنسوجات أداةً يمكننا من خلالها مشاركة القصص والتجارب التي تم تهميشها من خلال إخضاع الخيوط الضائعة والاحتفاء بها"، وأنه كيف يمكننا استغلال هذه التجارب من خلال فهم النسيج ليس فقط موضوع او عنصر فني، ولكن كأداة، وقطعة قماش، وساحةٍ للعرض.

7. جوليا بلاند

الأعمال الجدارية للفنانة جوليا بلاند قد ألغت الفروق بين فن النسيج والرسم، حيث يتم وضع المنسوجات في النول ورسمها بالزيت؛ وتتم حياكة قطعٍ من القماش والأقمشة مثل الحرير والصوف والمخمل أو خياطتها معًا، وتوضع الخيوط المعقودة يدويًا عبر الهياكل المعقدة التي غالبًا ما تكون مربعات طولها 2م تقريبًا.

تتخذ بلاند بروكلين مقراً لها، وتصف عملية مزجها للرسم والمنسوجات اليدوية، بأنها "سلسلة من الأحداث التي تتحد وتتلاشى، ففي النهاية من المستحيل تحليل ما حدث بالضبط أو كيف حدث، وما الذي حدث أولاً أو ما حدث أخيرًا".

مع أن الفنانة بلاند أكّدت أن صور وأنماط أعمالها تنشأ من عملية غير دقيقة أثناء التعامل مع المواد التي تستخدمها، إلا أن الأعمال الملونة والمعقدة تبدو دائمًا وكأنها مرتبة في هياكل هندسية متماثلة عادةً.

تقول بلاند: "هذا هو تاريخ النسيج الثري والكبير والعميق للغاية"، الذي يجد الفنان صعوبة في الالتفاف عليه، يمكن أن يكون النسيج وسيلة للجمع، والإشارة، والتناقض، والكسر، والإصلاح، والتعاقد، والتوسع، فالتاريخ غني وواسع، لكن ليس علينا أن نعيشه من جديد، يمكننا ابتكار أشياء مختلفة تماما."

مترجم بتصرف: artsy.net