لوحات المستشرقين العتيقة في سوق السجاد

لوحات المستشرقين العتيقة في سوق السجاد

السجاد الشرقي هو فن المتذوقين، مثل الآثار الأخرى، كان دائمًا رمزًا للفنون الجميلة ومُلكًا للنبلاء والملوك على مر القرون، قد يبدو أن لدينا وفرة من السجادات الجميلة لنستمتع بها، ولكن في الواقع ليس هناك سوى جزء بسيط يُشار إلى بعضه في السجلات التاريخية.

تنقلنا هذه الإبداعات إلى عالم الخيال، وبالرغم من اندثار جزءٍ كبير من هذا الفن، إلا أن الكثير من الرسامين المستشرقين اعتقدوا أنها مادة مناسبة لرسوماتهم، وفي عالم الفنون الجميلة لدينا أفضل الشواهد على شكل هذه الروائع، سنُلقي الضوء في هذا المقال على عالم لوحات سوق السجاد حتى نرى الكنوز التي يحتويها.

السجاد الفارسي والشرقي في اللوحات

مثّل فنانو عصر النهضة مصدرا ثريّا للمعلومات حول تصاميم السجاد الفارسي والعثماني القديم، ولكننا حصلنا على أثرى المعلومات من فنانين لاحقين.

كانت أواخر العصور الوسطى وعصر النهضة من العصور الذهبية لتصنيع وتصميم السجاد والبُسط، وفي تلك الفترة ظهرت الكثير من التصاميم والزخارف التقليدية، ومع ذلك، خلال القرن الثامن عشر، تأثرت العديد من مراكز حياكة السجاد بظروف الحرب والغزو، مما منحها وقتاً أقل لابتكار وإنتاج الجديد في عالم السجاد.

انتعش الاهتمام بالسجاد الشرقي في أواخر القرن التاسع عشر، وشرعت الكثير من مراكز النسيج التقليدية في إنتاج وابتكار تصاميم جديدة أخرى، مما لفت انتباه الرسامين المستشرقين، والذين كانوا يسافرون في الغالب إلى الشرق الأدنى ويُسجلون ما يلاحظونه بالتفصيل، حيث صمموا إجراءات ومعايير صارمة لدقة رسوماتهم، وهذا ما يُعتبر من أفضل السجلات التأريخية عن السجاد بالنسبة للأجيال التي جاءت بعدها، وتعتبر مجموعة لوحات (سوق السجاد) من أكثر المجموعات التي تصور السجاد في اللوحات، والتي تأخذنا في رحلة إلى عالم السجاد الفاخر في العصر الذهبي الثاني لحياكة السجاد والفنون.

سوق في يافا. لوحة استشراقية لجوستاف باورنفايند.

لوحات وفنانو سوق السجاد

هناك قائمة طويلة من لوحات وفناني سوق السجاد وسيستغرق ذلك جهداً كبيراً عند حصرها كافة، لذلك جمعنا عدداً من الأعمال الأكثر جمالاً، وأول مستشرق في هذه الرحلة هو الفنان جان ليون جيروم.

بازار السجاد من القرن التاسع عشر رسم جان ليون جيروم

"تاجر السجاد" هي من أشهر لوحات مجموعة (سوق السجاد) للمستشرقين الغربيين وقد رسمها جان ليون جيروم عام 1887، وتُظهر هذه اللوحة مجموعة صغيرة من السجاد المجعد الموضوع على الأرض، ولكن النقطة المركزية في اللوحة هي السجادة الرائعة المعلقة على الشرفة،  وتَظهر التفاصيل المذهلة للسجادة من اللوحة، ويمكن أيضًا رؤية سجادة أصغر معلقة خلفها، ويظهر في اللوحة أيضاً مجموعة من المشترين الأثرياء الراغبين في شراء السجاد، بينما تقف حاشية من الحراس الشخصيين في الخلفية، أما الجانب الأكثر روعة في هذا العمل هو أنه يعطينا رؤية جليّة لحجم وتفاصيل هذا العمل المذهل.

تاجر السجاد. لـ جان ليون جيروم.

المستشرق والرسام سوق السجاد تشارلز روبرتسون

كان الرسام والمستشرق تشارلز روبرتسون مفتونًا بتجار السجاد والبُسط، وجسدت الكثير من لوحاته أسواق القاهرة، وأحد أفضل أعماله هو لوحة  "بائع سجاد القاهرة"، التي رسمها عام 1887، وتُظهر هذه القطعة الرائعة العديد من الأمثلة البديعة عن السجاد، وتلفت الانتباه إلى تحفة فنية رائعة بتصميم متكامل.

كما نرى في هذه اللوحة فإن الفنان يُظهر ستارة القماش بشكل تُرجم إلى رسم دقيق جداً للنسيج، ويمنحنا فكرة عن حجمها بما يتناسب مع الشخصيات البشرية، أما الشيء الجدير بالملاحظة هو أن اللون الأخضر البديع والأرجواني اللامع للسجاد في الجانب الأيمن في اللوحة يُعتبر من الألوان النادرة (إلى يومنا هذا)، وتتطلب مهارات عالية للحصول عليه من الأصباغ النباتية الطبيعية.

بائع سجاد في القاهرة. لتشارلز روبرتسون.

"القاهرة" هي لوحة أخرى للرسام تشارلز روبرتسون، تُظهر تاجرًا يحمل مثالاً نموذجياً لسجادة قرية كما تبدو، وتتميز السجادة بتصميم قبلي أقرب منه لسجاد القرية في هذه الفترة الزمنية، ويمكن أن نلاحظ أن حجم السجاد في هذه اللوحة أصغر من حجمه في لوحات أخرى.

بائع سجاد القاهرة. لتشارلز روبرتسون.

تعتبر لوحة تشارلز روبرتسون، "بائع سجاد القاهرة" 1887، مثل مخزون سجاد أواخر القرن التاسع عشر، في هذه اللوحة يمكننا ملاحظة أمثلة عن السجاد من أجزاء كثيرة من العالم، بما في ذلك سجادة كازاكية مميزة معلقة على الجانب الأيسر من اللوحة، ويمكن أن نرى سجادة عثمانية كبيرة على الجانب الأيمن معلقة في الممر، كما نرى ما يبدو على أنه العديد من الأمثلة على السجاد القبلي وسجاد القُرى في اللوحة، تُظهر هذه اللوحة الامتداد العالمي وأهمية فن صناعة السجاد في نهاية القرن التاسع عشر.

سوق السجاد، لتشارلز روبرتسون.

من خلال تلك اللوحات القيّمة يمكن أن تشم رائحة القهوة، والتوابل وأنت تتجول في سوق السجاد الشرقي التي رسمها هؤلاء الفنانون، ويوجد الكثير من الفنانين واللوحات الرائعة التي يمكن إدراجها في هذه القائمة، حيث قدمت لوحات سوق السجاد لمحةً عن عالم لم يراه سوى القليل من الناس، بالنسبة لنا، فإنه يعطينا تقديرًا للأمثلة الرائعة التي لا تزال بين أيدينا، وتضعها في مكانها الطبيعي باعتبارها كنزًا عالميًا وتحملنا مسؤولية الحفاظ عليها.

مجموعات فنية مستشرقة أخرى وقطع من سوق السجاد

تتضمن لوحات جان ليون جيروم وتشارلز روبرتسون بعض من أشهر الأعمال التي تعطينا نبذةً عن عالم السجاد الشرقي، لكن الكثير من الفنانين الآخرين استلهموا هذا الأسلوب من الرسم ليسيروا على دربهم، تمتلك دار مزادات سوثبيز واحدة من أكثر مجموعات اللوحات الاستشراقية انتشارًا في العالم.

ألهمت التجربة المستشرقين للاطلاع على ما وراء حدود تجاربهم الخاصة لاستكشاف ما يوجد خلف حدود عالمهم، "لودفيغ دويتش" هو رسام آخر اشتهر بتصويره الدقيق للمنسوجات والسجاد وتفاصيل المباني، وكان يعمل على الرسم في وقت مبكر للتأكد من دقته، بدل من الاعتماد على ذاكرته.

رُسمت لوحة "صلاة الصباح"، في باريس عام 1906، وهي تصوّر مكانا في مسجد ويظهر فيها رجل يؤدي صلاة الفجر على سجادة الأناضول الرائعة، وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى أن السجادة ليست سجادة صلاة تقليدية أو تصميم "محراب"، إنما هي سجادة ذات حجم أطول تتميز بألوانها الزاهية، لكنها ليست سجادة "صلاة" وهذا يؤكّد أنه يمكن استخدام أي سجادة كسجادة صلاة.

صلاة الصباح. لودفيغ دويتش.

لوحة أخرى من لوحات لودفيغ دويتش، بعنوان "عند الصلاة". تُظهر سجادة مسجد بديعةً ومزخرفة بتصميم ميدالية، وقد تلاحظ أن ألوان وأنماط السجادة تتطابق بشكل وثيق مع الفسيفساء الموجودة على جدار المسجد.

عند الصلاة. لودفيغ دويتش، عام 1923

رحلة المستشرق "فريدريك آرثر بريدجمان" إلى مصر ألهمته أن يرسم لوحة واحدة فقط عام 1879، لكنها كانت مساهمةً مهمة في تاريخ السجاد، تحمل اللوحة عنوان "الرسول"، ونلاحظ فيها السجادة الصغيرة التي يقف عليها الرسول، والتي كانت ذات تصميم شائع في تلك الفترة، وتشبه العديد من البُسط الموجودة الآن إلى حد كبير.

الرسول. لفريدريك آرثر بريدجمان 1879

يُظهر فريدريك بريدجمان في لوحته "تعلم القرآن"، الطبيعة النفعية للسجاد وأهميته في الاستخدام اليومي، ويظهر جلياً أن هذه السجادة منسوجة بـأسلوب خشن وبدون تصميم رسمي، ما يعني أن الغرض الأساسي منها هو تغطية الأرضيات فقط.

تعلم القرآن. لفريدريك بريدجمان.

يصوّر رودولف إرنست في لوحته  "مسجد رستم باشا، القسطنطينية" الكثير من البُسط المستخدمة في الحياة اليومية في تلك الفترة، حيث يجلس العلّامة على سجاد ذو حجم صغير وذو ألوان زاهية، وعلى الحائط عُلّق سجاد فارسي أكبر حجمًا، وفي جميع أنحاء الأرضية، يمكن رؤية طبقاتٍ من السجاد بأحجام أكبر وأصغر مع نسج بني وخطوط بسيطة وأنماط متناسقة، ويمكن أن نعرف مباشرة أن هذه القطع هي قطع نفعية لغرض تغطية الأرضيات فقط، بينما يوجد سجاد آخر مرصوص في جميع أنحاء اللوحة، وتشير هذه اللوحة إلى وجود فئات مختلفة من السجاد للإستخدام لأغراض مختلفة.

مسجد رستم باشا، القسطنطينية. لرودولف إرنست.

تظهر لوحة "العزف على الطبل"، التي رسمها تشارلز جيمس ثيريوت عام 1889، سجادةً ذات وبر أطول وتصميمات هندسية بسيطة، ومن المحتمل أن تكون تلك السجادة قد أُنشئت لأغراض نفعية بسيطة وللاستخدام اليومي، تبدو السجادة ناعمة وأدفأ مما يظهر في الرسم.

العزف على الطبل. تشارلز جيمس ثيريوت 1889

لوحة رودولف إرنست الأخرى والتي تحمل عنوان "سيدات شابات على الشرفة"، تُظهر استراحة للجواري على شرفةٍ تطل على بحيرة، وتظهر عدة طبقات من السجاد وعدة مستويات مختلفة من الفن، وتظهر في اللوحة سجادة بنية اللون تشبه تلك التي تم تصويرها في اللوحات السابقة، وهو ما يعني أن تلك كانت بمثابة قاعدة أو طبقة سفلية للسجاد المزخرف بشكل جميل في تلك الفترة.

سيدات شابات على الشرفة، لرودولف إرنست.

هذه اللوحات تُلقي الضوء على أهمية السجاد في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وتصور هذه المجموعة أمثلة بسيطة وسجادا صُمم للاستخدام لغرض معين، والآخر لاستحضار التراث والروحانية، هذه البُسط التي تصوّرها اللوحات الفنية هي جزء صغير من تلك السجادات التي تم حياكتها وما زالت موجودة إلى يومنا هذا.

ما هي الأعمال الفنية التي صادفتها من قبل، والتي تصور عالم السجاد العريق؟

 

 

 

 

مترجم بتصرف: nazmiyalantiquerugs.com

RELATED ARTICLES

اترك تعليق

لن يتم مشاركة بريدك الإلكتروني. *