بورصة السجاد: تراثٌ ناعمٌ للبيع!

عام 1887 رسم الفنان الفرنسي "ليون جيروم" لوحته الشهيرة "بائع السجاد في القاهرة"، والتي استلهمها من إحدى رحلاته الكثيرة إلى شمال إفريقيا والمنطقة العربية، وقد صورت هذه اللوحة الرائعة، مشهدا من الحياة اليومية المعتادة في مصر. وكان الرسام الفرنسي مفتونا كغيره من المستشرقين بكل المظاهر التي تمثل تاريخ الحضارة الشرقية، وأحوال الناس وعاداتهم، وكانت الأسواق؛ ومن بينها سوق السجاد الذي عُدّ بمثابة بورصة السجاد في القاهرة، إحدى محطاته الرئيسية في رحلته، خاصة تلك السوق القابعة في أزقة القاهرة القديمة الحافلة بالأماكن الأثرية والمظاهر التاريخية التي تعود جذورها إلى آلاف السنين.

عكست اللوحة التي رُسمت على قطعة من القماش بألوان زيتية؛ في حد ذاتها إبداعا فنيا مميزا وكأنما اقتبست بعضا من جمال ودقة فن صناعة السجاد، نلاحظ ذلك في تفاصيل اللوحة التي تصف بوضوح قطعة السجاد الرئيسية المعروضة كأنك تقف بنفسك في السوق تشاهد زخارفها البديعة وزخم ألوانها الراقية المتناسقة.

ولم تكن القاهرة وحدها حاضنة لما يمكن أن نسميه بورصة سجاد، بل عُرفت مدينة فاس المغربية أيضًا بتجارة وتداول السجاد كبضاعة ذات قيمة فريدة، وقد عاشت هذه المدينة منذ القرن الثالث عشر الميلادي عصرا ذهبيا كأهم مدينة منتجة للسجاد في البلاد، وكان يعمل بها عشرات عمال الصباغة واتخذت آلاف مراكز التطريز من فاس مقرا لها.

لم يأت التبني المبكر للمغاربة لصناعة السجاد من فراغ، بل كان نتاجا طبيعيا للمناخ المميز الذي تعيشه هذه المنطقة، على سبيل المثال يعمد النساجون إلى صنع السجاد السميك ذي الوبر الثقيل ليكون مفيدا في التدفئة عندما تغطي الثلوج جبال الأطلس في الشمال، أما في المناطق الصحراوية الحارة فيحرص العمال على نسج السجاد مسطحا وخفيفا، لكي يوفر غطاء ناعما للأرضية ولطيفا في الوقت نفسه.

إلى الآن لا تزال بورصة السجاد في فاس تحظى بإقبال كبير من أهل البلد والسائحين على حد سواء، يعكس هذا الإقبال إلى مدى يحظى السجاد المغربي العتيق الذي تصنعه نساء القبائل المغربية بأيديهن في أوقات الفراغ؛ بشعبية كبيرة اليوم بسبب زخارفه المتنوعة وتصاميمه المرنة التي تتناسب بشكل رائع مع الديكور المودرن والديكور البوهيمي أيضا.

كانت تلك لمحة سريعة من الماضي على اثنين من أهم أسواق السجاد في المنطقة اللذين جسدا أحد أبرز أشكال بورصة السجاد قديما، فماذا عن الآن؟ نقدم فيما يلي قراءة لأهم أحوال بورصة السجاد في وقتنا الحالي.

المحتويات

قراءة في مشهد السوق العالمي للسجاد بحلول عام 2026

تحفل بورصة السجاد بمجموعات واسعة من ألوان وتصاميم القطع، معظمها يدخل في تصنيعه الصوف أو البوليستر أو النايلون أو البولي بروبيلين أو غيرها من الألياف الصناعية الأخرى.

يوفر السجاد حاليا مستويات أعلى من الراحة مقارنةً بالسجاد قديما، كما أن التقنيات الجديدة في التصنيع التي تستهدف زيادة المتانة وتحسين الجماليات على حد سواء قادت إلى حركة زيادة في الطلب،  على سبيل المثال تقنية التصنيع "المنعقدة" التي تجعل عمر السجاد  أطول ومقاومته للبقع أقوى، فضلا عن الاستخدام الكثيف للنايلون بسبب مرونته ومقاومته للتآكل.

توجد عوامل أخرى أدت إلى زيادة الطلب في بورصة السجاد، مثل الإقبال على الشراء من القطاع التجاري مثل الشركات ومتاجر التجزئة، بالإضافة إلى زيادة شعبية بلاطات السجاد، وزيادة الإقبال على شراء السجاد الفاخر، فضلا عن النمو المستمر في حركة البناء والتشييد على مستوى العالم.

الغرض الرئيسي من وضع السجاد في المنزل هو التدفئة وتحسين المظهر الجمالي للديكور الداخلي بالإضافة إلى العزل الصوتي، وعلى الرغم من الاهتمام المتزايد بالأرضيات ذات الأسطح الصلبة مثل الباركيه والرخام والسيراميك، إلا أن مبيعات السجاد لم تتأثر سلبا في المجمل كما سنرى، لأن السجاد في حد ذاته يعد أداة لتعزيز مظهر الأرضيات ذات الأسطح الصلبة وإبراز جمالها وتحقيق توازن عام في مظهر الغرفة.

أما عن التوقعات المستقبلية للطلب على السجاد، فإن التحليلات تشير إلى أن حجم السوق العالمي للسجاد سيبلغ 38 مليار دولار بحلول عام 2026، بمعدل نمو سنوى مركب يبلغ 3%، وأظهرت الأرقام أن القطاع السكني سيقود سوق السجاد بمساهمة تصل إلى 24 مليار دولار خلال الفترة نفسها.

وتفسير ذلك، هو ظهور اتجاه قوي نحو تجديد المنازل بالإضافة إلى حركة التعمير التي لا تتوقف وتُسفر عن آلاف المباني السكنية الجديدة التي تحتاج إلى تأثيث.   

والاتجاه الرئيسي الملحوظ في بورصة السجاد هو هيمنة أمريكا الشمالية على السوق باعتبارها أكبر سوق للسجاد في جميع أنحاء العالم، خاصة في ظل مناخها البارد معظم شهور السنة، ويقود الطلب التجاري من الشركات والمؤسسات على السجاد إلى حركة استيراد كثيفة من مختلف الأسواق الناشئة، يدعمه التطور الحاصل في تقنيات التصنيع السريع، إلى جانب عوامل أخرى تدفع في اتجاه زيادة الطلب على السجاد مثل نمو عدد سكان الطبقة المتوسطة.

نظرة عن كثب على سوق السجاد في المملكة

لا يختلف الوضع في سوق السجاد السعودي عن نظيره في السوق العالمي، إذ من المتوقع أن تشهد بورصة السجاد في المملكة نموا خلال السنوات القليلة القادمة يبلغ 1% سنويا، وتُصدّر المملكة السجاد إلى أكثر من 70 دولة وتنتج ما بين 120 : 130 مليون متر مربع من السجاد سنويا، ويصل معدل الاستهلاك إلى ما يقرب من 70 مليون متر مربع.

يتم استخدام السجاد بشكل أساسي بسبب فوائده في تنعيم الأرضية وحمايتها بالإضافة إلى خصائصه التجميلية. ومن المتوقع أن ينمو السوق إلى حد كبير لعدة أسباب تغذي الطلب على السجاد، من أهمها:

• الاهتمام المتزايد بمنتجات الديكور الداخلي وأسلوب الحياة العصري والحرص على العيش في منزل مريح ذي تصميم جميل.
• تغير أذواق المستهلكين باستمرار بما يواكب اتجاهات الموضة في الأثاث الداخلي.
• ارتفاع مستويات دخل المستهلكين.
• زيادة الإنفاق المخصص لعملية تجديد السجاد، حيث تتعرض الكثير من قطع السجاد إلى مستويات عالية من التآكل والتلف وبالتالي تحتاج إلى استبدالها في نهاية المطاف بعد عدة سنوات من الاستخدام. 
• حركة البناء والتشييد النشيطة سواء في مناطق جديدة أو على المباني القائمة. 

يساهم القطاع السكني بنصيب الأسد في زيادة الطلب على السجاد في المملكة،خاصة إذا علمنا أن الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الإسكان تشير إلى وجوب بناء ما يقرب من نحو 3 مليون منزل بحلول عام 2025 لكي تحل مشكلة نقص المساكن في البلاد. ولا شك أن زيادة الاستثمار في قطاع البناء السكني على وجه التحديد  سيؤدي إلى نمو سريع لسوق السجاد.

تتميز بورصة السجاد في المملكة بالتماسك إلى حد كبير حيث يوجد مجموعة من كبار اللاعبين من منتجي السجاد، إلى جانب منافسة متزايدة من شركات صغيرة ومتوسطة محلية وأخرى دولية تحاول الحصول على حصة في السوق عبر ابتكار منتجات جديدة.

ما هي أبرز الدول المنتجة للسجاد في السوق العالمي

لن يكتمل الحديث عن سوق السجاد العالمي بدون التعرف على أهم الدول التي تنتج السجاد في العالم. بالنسبة لبعض الدول مثل تركيا وإيران وباكستان، فإن السجاد ليس مجرد منتجا محليا يساهم بحصة لا بأس بها الاقتصاد الوطني، بل هو جزء لا يتجزأ من التراث القومي وواجهة حضارية تحكي ثقافة شعب وتاريخ أمة. 

لن تركز قائمتنا على الدول التي تصنع السجاد آليا مثل الصين والولايات المتحدة، التي تهتم بالتصنيع بكميات كبيرة على حساب الاهتمام بالتصميم الفريد والأصالة. بل سنسلط الضوء على أفضل البقاع في العالم التي تنتج سجادا يدويا يلهم بأصالته وتفرده مُصنعي السجاد في كل أنحاء العالم. فيما يلي قائمة بأهم 5 دول نتنتج سجادا يدويا:

1. إيران

كانت إيران منذ العصور الوسطى مركزا لإنتاج السجاد اليدوي، ولا تزال إلى الآن مصدّرا رئيسيا للسجاد إلى العالم. يعد السجاد الفارسي الأعلى جودة بين مختلف أنواع السجاد اليدوي الأخرى، ويتميز بأشكال صغيرة معقدة وألوان طبيعية هي الأكثر روعة على الإطلاق، استحق بهذه المزايا لقب السجادة الراقية عن جدارة.

1. الهند

نما سوق السجاد اليدوي في الهند مؤخرا كتقليد منقول من الشرق الأوسط وإيران. ينتج السوق الهندي كمية كبيرة من السجاد اليدوي تصدر إلى أنحاء عديدة من العالم، تميزه أسعاره المعقولة التي تناسب ميزانية الطبقة المتوسطة، ومع ذلك فهو لا يتمتع بمتانة السجاد اليدوي نفسها الذي يُنتج من الشرق الأوسط.

1. باكستان

ينتمي النساجون الباكستانيون إلى قبائل بدوية أو إلى أجداد هاجروا من الهند وإيران، أثر ذلك في نوعية السجاد الباكستاني الذي يتميز بتصاميم قبلية وفارسية في الأساس، يمكن تصنيع السجاد الباكستاني حسب الطلب، ويحمل مزيجا مثاليا من مقومات الرواج حيث السعر المعقول والتصميم العتيق والجودة العالية.

1. تركيا

تنتج تركيا سجادا يدويا يحظى بشهرة عالمية واسعة، جاء نتاجا لأسلوب فريد مزج بين التأثيرات الثقافية للحضارات المجاورة من آسيا وأوروبا وشمال إفريقيا، ويشتهر السجاد التركي بمتانته وتصميماته الأنيقة وملمسه الناعم.

1. كازاخستان

هي الدولة التي قد يجهل الكثيرون صيتها في بورصة السجاد اليدوي، لكن يعرفه جيدا محبو السجاد الحقيقيون، بالنظر إلى حجم الإنتاج فإن كازاخستان لا تعد منتجا رئيسيا للسجاد اليدوي، رغم ذلك تنتج واحدا من أكثر أنواع السجاد تميزا، حيث يحتوى على صور نباتية وأنماط فريدة مصنوعة من الصوف الطبيعي وشعر الماعز.

الاتجاهات الجديدة في بورصة السجاد

لم تعد الاستدامة اعتبارا هامشيا لدى الكثير من المستهلكين، بل ينظر إليها العديد من العملاء كأولوية الآن، حيث يبحثون بشكل متزايد عن منتجات صديقة للبيئة تواكب رغبتهم في حماية كوكب الأرض وتمثل نفايات آمنة. أدى ذلك بالمصنعين إلى إدخال ألياف نباتية في عملية الإنتاج، مثل السيزال بهدف جذب هذه الفئة المتزايدة من العملاء.

يركز اللاعبون الرئيسيون في بورصة السجاد أيضا على الابتكار ودمج تقنيات متقدمة في منتجات السجاد، تنافسهم في السوق لاعبين أصغر حجما يسعون إلى الفوز بعقود جديدة ودخول أسواق لأول مرة، مع مساهمة قوية من منطقة آسيا والمحيط الهادئ صاحبة أعلى معدل نمو سنوي متوقع في سوق السجاد حتى عام 2026. من المتوقع أيضا أن تزدهر حركة الشراكات بين اللاعبين المختلفين في السوق وإتمام العديد من عمليات الدمج والاستحواذ كتكتيك مهم لتطوير وتنمية عملية النمو للشركات.

خاتمة

كانت تلك قراءة عابرة لأحوال بورصة السجاد في العالم، ألقينا خلالها نظرة على التوقعات المستقبلية بشأن الطلب على السجاد خلال السنوات المقبلة وأهم العوامل المؤثرة عليه، وسلطنا الضوء على سوق السجاد في المملكة على وجه التحديد والمعالم الرئيسية المحددة لملامحه، كما تعرفنا على أبرز الدول المنتجة للسجاد اليدوي الذي يتمتع بالأصالة والتفرد على مستوى العالم. 

المصادر:

https://finance.yahoo.com/news/global-carpets-rugs-market-report-085300018.htmlhttps://www.claremontrug.com/antique-rugs-information/collecting/the-oriental-rug-market-viewed-as-a-pyramid-axa-art/our-oriental-rug-market-pyramid/

https://etar.sa/the-carpet-merchant%2Fp1151083707

https://www.youm7.com/story/2020/4/30/100-%D9%84%D9%88%D8%AD%D8%A9-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AC%D8%A7%D8%AF-%D9%81%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%A3%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D8%AF%D8%A9-%D9%88%D8%B4%D8%BA%D9%81/4749641 

https://www.globenewswire.com/news-release/2022/02/22/2389070/0/en/Global-Carpets-and-Rugs-Market-to-Reach-38-8-Billion-by-2026.html

https://www.mordorintelligence.com/industry-reports/global-carpet-and-rugs-market

https://www.mordorintelligence.com/industry-reports/saudi-arabia-carpet-and-rugs-market

https://cmmonline.com/news/flooring-and-carpets-market-decade-growth-projected-at-5

https://en.wikipedia.org/wiki/Moroccan_rugs

https://qaleen.com/blog/5-countries-that-make-the-worlds-best-rugs